اثر الحرب على عقد الايجار

#أثر_الحرب_على_عقد_الإيجار
الحرب ومـدى أثـرها في الالتزامات الناشئة عن عقد
الإيجار 
لعـل أول مـا يـشغـل بال الناس في حالة الحروب أو
خطـر الـحـروب عـرض الدنيا بعد جوهر الحياة، ولذا
كان طبـعيًا أن تـحتـل مـشكلـة ترتيب العلائق المالية
بـيـن الأفـراد مـن نفـوس الجـماهير مكانها الأول من
دائرة التفكير وأن تصبح عقود القانون الخاص كعقد
القرض والبيع والرهن وعارية الاستعمال والاستهلاك
والـوديـعـة والاسـتـصـنـاع وإيجار الأشياء في وضع
يـستـدعـي الـدرس والبـحـث - فـكـم مـن الـمـلايـيـن
البشـرية مـن المسـتأجرين قد استهوتها رغبة الهجرة
من الحضر حيث الأخطار إلى الريف حيث الاستقرار
كما تـولتها رهبـة التـحلل مـن الالتزامات التي ترتبت
علـى عـقـود إيـجـار مـسـاكـنـهـم ومـحـال تـجـارتـهـم
وصناعتهـم فأصبـحـوا بـيـن هذه الرغبة وتلك الرهبة
يـتلـمسـون لهـم على مـتـن القانون طريقًا ويـنشدون
لـدى المـحاكـم والقاضـي والفـقيـه حـلاً رفيقًا يضمن
التوفيق والانسجام بين المصالح المتعارضة وأصـبح
الـسـؤال الآتـي حـديـث الظاعـن والمـقيم (هل لحالة
الحرب القائمة أثر في التزام المستأجر؟)

عـقـد الإيـجار عقد تبادلي ينشئ التزامات في جانب
المـؤجـر وأخـرى فـي جانب المستأجر فالمؤجر - في
القانون المصري - مـلتـزم بتسليم الشيء المؤجر إلى
المـسـتأجـر وبـعـدم التعـرض للـمسـتأجر في انتفاعه
بالـشـيء المؤجـر أو إحـداث تـغـيـيـرات تـخـل بـذلك
الانـتـفـاع وبـتـرك الـمسـتأجـر ينـتفع بالعين المؤجرة
ويلـتـزم المسـتأجر باستـعمال الشيء فيما أعد له مع
بـذل العـنايـة بـه وبـدفـع الأجـرة في مواعيدها وبرد
الشيء عند نهاية الإيجار.

تـسـيـر الأمـور سـيـرهـا الـطـبـعـي ويـقـوم الـمـؤجــر
والمـستأجر بالتزاماتهما حتى إذا ما بدا شـبح الحرب
اختل ميزان ذلك التبادل وأصبح خطر الحرب يـهـدد
الـمـسـتـأجـر فـي انـتـفـاعـه بـل ويـقـصـيه عن العين
المـؤجـرة فهـل يـظل المسـتأجر مع ذلك ملتزمًا بأداء
الأجرة واحترام العقد؟

أول مـا يتبادر إلى الذهن جوابًا على هذا السؤال هو
أن للمـسـتـأجـر حقًا في أن يتلمس إلى الفسخ سبيلاً
بـيـن مـقتـضيـاتـه وأولـهـا الـقــوة الــقــاهــرة force
       majeure أو الحادث الجبري cas fortuit وقـريب
إلـى ذلك الـنـظـر أن يـتـذرع بـقـيـام نظـرية الظروف
الطارئة théorié de l’imprevision.

عـن الـحـادث الـجـبـري والقـوة القاهرة كسبب يجـيز
للمستأجر الفسخ:
لا يتـحقـق الـفـسـخ أصـلاً فـي غـيـر الـعـقود الملزمة
للجانبـيـن، وآيـة ذلك أن مـما لا يـقـره عـدل أن يظل
أحـد الطرفين مقيدًا بالتزاماته في الوقت الذي يخل
فـيـه الآخر بحرمتها - ويضاف إلى ذلك أن كل التزام
مـعـقـود بـسـبـبـه وبـالـتـالـي فـإن عـدم تـنـفـيـذ أحد
الـمـتـعـاقـديـن لالـتـزامـه يجـعل التزام الطرف الآخر
منـتفـي السـبب ولهذا يجوز للمتعاقد الآخر أن يرجع
فـيـمـا الـتزم بـه، وإلـى جانب ذلك القول يوجد أصل
عـام مـؤداه أن لا يطـلـب الـفـسـخ إلا إذا لم يقم أحد
المتعاقدين بتـنفـيذ التزامـه سـواء أكان عدم التنفيذ
راجـعًا إلى قـيام القوة القاهرة أو الحادث الجبري أو
إلى خطأ ارتكبه المتعاقد.

هـذان الأصـلان هـما دعامة نظرية الفسخ في العقود
التبادلية - فإذا كان المـؤجـر قـد قـام بالتزام التسليم
وتـرك المستأجر ينتفع الانتفاع الهادئ وامتنع عن أن
يأتـي ما يـعكـر علـيـه صفو انتفاعه فهل إذا ما قامت
أعـمال الحرب بذلك التعكير عد المؤجر مسؤولاً عنها
ويصـبـح بالتالي للمـسـتأجـر حق في أن يخلي العين
الـمـؤجـرة قـبل نهايـة المدة المحددة وأن يتحلل من
التزامه بدفع الأجرة عن المدة الباقية؟

تـعـرض الفـقـهـاء وأحـكـام المـحاكم فـي فرنسا لهذه
المـسـألـة بـالـذات بـصـدد الـكـلام عـن التزام المؤجر
بضمان التعرض المادي أو التعرض المبني على سبب
قانـوني إذ طبقًا للقانون الفرنسي يلتزم المؤجر بنص
المادة (1725) مـدني بأن يضمن للمستأجر التعرض
القانوني (وهـو المـبـنـى على حـق يـدعـيه المتعرض
على العين المؤجرة) دون أن يضـمن التعرض المادي
        trouble de fait فـامـتـد بهـم الجـدل حول حالات
الـتعـرض المادي الصادرة من الغير إلى مناقشة حالة
الـحـرب والـثـورة فـرأى فـريـق منهم في ظرف قيام
الحـرب أو نـشـوب الـثـورة ظـرفًا أجـل خطرًا من أن
يكـون مـجـرد تـعـرض مـادي لا يـسـأل عـنـه المـؤجر
ورتـبوا على ذلك وجـوب الضمان – ورأى فريق آخر
وعـلـى رأسـه الفـقـيـهان بـودرى وفـال عـكـس الـرأي
السابـق وقالا باعـتبارهما حالة تعرض مادي لا يضمن
المؤجـر عنها شيئًا وحجتهما في ذلك هي أن الأعداء
المـحاربـيـن أو جـمـاعـة الـثوار إنما يتعرضون مجرد
تعرض مادي دون أن يدعوا لأنفسهم حـقًا على العين
الـمـؤجـرة ومـتـى انـعـدم التـعرض القانوني واقتصر
علـى الـتـعـرض الـمـادي فـلا ضـمـان عـلـى الـمـؤجـر،
واستـنـدا فـي ذلك إلـى مـا رآه الفـقيه (Ballot) في
كـتـابـه عـن (آثـار الـحـرف فـي الإيـجـار والـمـلـكـيـة
ص(38)) حـيـث يـشـاركـهـمـا ذلك التأويـل، بـل وقد
ذهب هذا المؤلف إلى القول بمسؤولية المستأجر عن
تـرك الـعـيـن الـمـؤجـرة بـاعـتـبـاره مسؤولاً أصلاً عن
المحافظة عليها وملتزمًا بتسليمها إلى المؤجر بحيث
إذا غـادرها فألحـق بها الغير أضرارًا فهو مسؤول عن
التضـمينات الناتجة عن تلك الأضرار - وأبعد من ذلك
فإنهما لا يـريـان فـي قـيـام حالة الاحتلال أو الحصر
بالمـديـنـة الـتـي يـقـيـم فـيها المستأجر ويقع المكان
المؤجر ظرفًا يجيز له الفسخ ولو أثبت عدم استقرار
الأمـن والـطمـأنيـنـة بـل ولـو فاته بعض أو كل أوجه
الانتفاع بالعين المؤجرة.

ونحـن نـرى أن الـرأي الأول أولـى بـالاعتـبار والتأييد
وقـد دعمه الأستاذ الدكتور عبد الرازق السنهوري بك
فـي مـؤلفـه القـيم عن عقد الإيجار فقرة (241) ص
(306) حـيـث يقـول - عـن الـرأي الأول) وهذا الرأي
وجـيـه لاسـيـما إذا بـنـى علـى أن حـالـة الحرب قوة
قـاهـرة تمـنـع المـسـتأجر من الانتفاع بالعين فيصبح
المؤجـر غيـر قـادر علـى الوفاء بالتزامه كله أو بعضه
وهـذا مما يـستلزم فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة) -
هذا ولا ينكر الفقيهان بودرى وقال أن الرأي المخالف
لرأيهما قد لقي تأييدًا عامًا.

والواقع من الأمر هو أنه من التعسف بمكان أن تعتبر
حـالـة الحـرب مـن قـبـيـل الـتـعـرض الـمـادي الذي لا
يضـمنه المـؤجـر والـتي لا تجيز بالتالي للمستأجر أن
يطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة وأنه لا يقبل عقلاً ولا
عـدلاً أن يـظل المـسـتأجـر فـي عـقـد تبـادلي المنفعة
والالـتـزام مـلتـزمًا بدفع الأجرة حيث يستحيل عليه
الانتفاع خـصـوصًا وأن الـشـارع الـمـصـري قـد نــص
صراحة في المادة (393) من القانون المدني الأهلي
على أنـه إذا مـنـعـت الـحـادثة الجبرية المستأجر من
تهـيـئـة الأرض أو بـذرهـا وأتـلـف مـا بـذر فيها كله أو
أكـثـره تكـون الأجرة غير مستحقة أو واجبًا تنقيصها
وفـي هـذا أبلـغ مقـدمـة يمـكـن أن يقاس عليها حكم
حـالـة قـيـام الحـرب - وهـي أولي الحوادث الجبرية
وحكـم عـدم تمكن المستأجر من الانتفاع بالعين إزاء
مـا يهـدده مـن الأخـطار والأهـوال - على أنه إذا كان
حقـيـقة أن المؤجـر فـي حكم القانون الفرنسي ملزم
بتمكين المستأجر من الانتفاع وأنه في حكم القانون
المصري ملزم بتركه ينتفع فحسب فليس مؤدى ذلك
الفرق أن يـظل المستأجر عاجزًا عن الانتفاع ومجبرًا
على أداء الأجـرة في الـوقت الذي يعجز فيه المؤجر
أو غـيـره عن أن يحـقـق للمستأجر حقه في الانتفاع
بـمـا استـأجـره - والـواقـع أن الـشـارع المصري بذلك
الـحـكـم قد انـقاد لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء -
أحـد مصـدريـه التـشريعيـين في بـاب عقد الإيجار -
وهـي التـي تؤكد مبدأ صريحًا وهو أن الأجرة مقابل
الانتـفاع بحـيث إذا استحال على المستأجر استيفاء
المـنـفـعـة سقـط عنه الـتزام إيفاء الأجرة وإليك نص
المادة (586) من كتاب مرشد الحيران(تجب الأجرة
فـي الإيـجـارة الـصـحـيـحـة بـتـسليم العين المؤجرة
للمـسـتـأجـر واسـتيـفائه المنفعة فعلاً........(وكذا نص
المادة (674) (إذا غلـب الماء عـلـى الأرض المؤجـرة
فاستبحرت ولم يمكن زرعها أو انقطع الماء عنها فلم
يمـكن ريـها فلا تجـب الأجـرة أصلاً وللمستأجر فسخ
الإيجارة) - ومـا أبـدع مـا رآه مـذهـب الحنفية بصدد
نظريـة الحـوادث الجبرية حيث يسلمون بالفسخ في
بعض العقود التـبادلية وأهـمها عقد الإيجار إذا تحقق
الـعـذر آيـة ذلك لـديـهـم أنه (لو لزم العقد عند تحقق
الـعـذر للـزم صـاحـب الـعـذر ضـرر لم يلتزمه بالعقد)،
ورتـبـوا الـعـذر إلـى أقـسـام فمنه ما يرجع إلى العين
المؤجرة ومنه ما يرجع إلى المؤجر وفي ذلك رسموا
فيصلاً مرنًا قابلاً للعمل به في كل زمان ومكان بعيدًا
عـن الحـرج قـريبًا إلى التيسير المحمود وما أبدع ما
قـالـه ابـن عـابـدين في ذلك الشأن، والحاصل أن كل
عـذر لا يمـكن مـعـه استـيفـاء المعقود عليه إلا بضرر
يلحقه في نفـسه أو مالـه يثبت له حق الفسخ (راجع
ابن عابدين ج (5) ص (76) وانظر في تفاصيل تلك
المسألة (بدائع الصنائع) ج (4) ص (197) والفـتاوى
الهندية ج (4) ص (458)).

وأبلـغ مـن ذلك دلالة وأقـطـع منـه إمعانًا في وجوب
اتبـاع الـرأي القائل باعتـبار حـالـة الحرب قوة قاهرة
تـجـيـز فـسـخ عـقـد الإيـجـار مـا ذهـب إلـيـه الشارع
المـصري فـي المادة (370) مـدني أهلـي حيث ينص
على أنـه (إذا هـلك الشـيء الـمـؤجـر ينفـسخ الإيجار
حـتـمًا وأمـا إذا حـصـل بـه خلل فيجوز للمستأجر أن
يـطلـب إمـا فـسـخ الإيـجار وإما تنقيص الأجرة على
حـسـب الأحوال (م1722 وما بعدها مدني فرنسي)
هـذا هـو حـكـم الـهـلاك الجـزئـي أو الـكـلـي في عقد
الإيـجـار ومـنـه تـرى كيـف أن الـشارع المصري يجيز
الـفـسـخ أو إنـقـاص الأجرة جريًا وراء تحقيق حكمة
عادلة هي أن الأجرة مقابل الانتفاع.

على أنـنـا إذا سلمـنا جدلاً مع الفقيهين بودرى وفال -
أصـحـاب الـرأي الـمخـالـف لـمـا نقـول بـه - بأن حالة
الحـرب أو الـثـورة تـعـرض مـادي لا يـوجـب ضـمـان
الـمـؤجـر فـمـا عـسـاه يـكـون الـحـكم إذا ما أدى ذلك
التعرض إلى تقليل الانتفاع أو تعطيله؟

يـمـيـل الـقـضـاء الـفـرنـسـي ومـعـه جـمـهـرة الشراح
الفرنسيـين إلـى وجـوب أن يـسـوي بيـن حالة الهلاك
الكـلـي أو الجـزئـي للعـين المؤجرة وحالة ما إذا أدى
التعرض المادي إلى تقليل الانتفاع حتى أصبح بذلك
نـص المادة (1725) مـدني فرنسي شاملاً في جواز
الفـسـخ أو إنقاص الأجرة في الحالتين (انـظر بودرى
وفـال ن 523 و 524 ج1) وطــبــعــي أن يــرفـــض
الـفـقـيـهـان ذلك الـرأي بـل وقـد اسـتـقـر رأي الـفـقـه
والقضاء في مصر على أن الحرمان الكلي أو الجزئي
مـن الانتفاع بغير خطأ المدين يبرر الفسخ أو إنقاص
الأجـرة ولقـضائـنا فـي ذلك المـضمار جولات صادقة
مـوفـقـة تـتـرجـم عـن فكـرة رئـيسـية هي أن الأجرة
مقابل الانـتـفـاع وأنـه إذا تـعذر الانتفاع سقط التزام
الأجـرة إلـى حـد الـزوال أو نـقـص إلـى أجـر الـمـثال
(اسـتئـناف مختلط 26 يونيه 917 مج ط (29) ص
(516) - 25 إبـريـل سـنـة 1922 جــازيـــت 13 ص
(26) رقم (54 – 5) يـونيو سنة 1923 جازيت 13
ص (182) رقــم (303) - حـكـم مـحـكمة الموسكى
الـجـزئـيـة 12 أغـسطس سنة 1916 حقوق 31 ص
(285) – حـكم محكـمة الاستئناف الأهلية 22 مايو
سـنـة 1976 مـحـامـاة 4 ص (453) – بنـي سويف
25 ديسمبر سنة 1928 محاماة (6) ص (642)).

فإذا انتقلنا من مناقشة حكم الهلاك الجزئي أو الكلي
كمقدمة شئنا أن نقيس عليها حكم 

قـيـام حـالـة الـحـرب وأثـرهـا فـي عـقـد الإيجار إلى
مـنـاقـشـة حـكـم الـتـزام الـمـؤجـر بـعمـل التـرميمات
الـضـروريـة في القانـون المـصري بدًا مدى ما يصيبه
الـرأي الـذي نـقول به مـن التوفيق فإن من المقرر أن
الـمـؤجـر غـيـر مـلـزم فـي الـقـانـون الـمـصـري بـعمل
الـتـرمـيـمـات الـضـروريـة بـنص المادة (370) مدني
أهلـي حيث تقـول (لا يكـلـف الـمؤجر بعمل أي مرمة
كانت إلا إذا اشترط في العقد إلزامه بذلك) ومع ذلك
يـرى الـفـقـهـاء المـصـريـون ومـنهـم الأسـتاذ الدكتور
السـنهوري بـك أن للمستأجر الفسخ إذا امتنع المؤجر
عـن القيام بالتـرميمات الضرورية ولو لم تهلك العين
هـلاكًا مـاديًا، وحـجتـه فـي ذلك القـول (إن القاعـدة
الأسـاسـيـة فـي نـظـرنـا أنـه فـي كـل الأحـوال الـتي
يـسـتـحـيـل فـيـهـا علـى الـمـسـتـأجر الانتفاع بالعين
الـمـؤجـرة في جميـعها أو في جزء منها لسبب خارج
عـن إرادتـه ولـو كـان ذلك لـقـوة قـاهـرة يجوز له أن
يـطلـب فسـخ الإيجار أو إنقاص الأجرة وذلك تطبيقًا
للقـواعـد العامـة ولمـبادئ العدالـة وقياسًا على المبدأ
المـستـفاد مـن المواد (370 - 454 و 455) فتنطبق
هـذه القاعـدة على حالة العيـوب الخفية وعلى حالة
مـا إذا نـشـأ عـن التـعـرض الـمـادي الصادر مـن الغـير
استـحالـة الانـتـفـاع بـالـعـيـن الـمـؤجرة ولو لم تهلك
العـيـن هـلاكًا مـاديًا كذلك تنطبق أخيرًا على حالة ما
إذا اسـتـحـال علـى المـسـتأجـر بسبب حرب أو ثورة
الانتـفـاع بـالـعـين المؤجرة هذا على فرض اعتبار أن
الحـرب والـثـورة مـن أعمال التعرض المادي كما يرى
بعض الشراح (عقد الإيجار ص (308) و(309)).

ويـزداد تعسـف رأي الفقـيهين بودرى وفال في نظرنا
بـالـرجـوع إلـى مـا قـالا بـه فـي ذلك الـشـأن مــن أن
الـمـؤجـر لا يـضـمـن حـالـة الحـرب ومـا تستتبعه من
أعـمـال تعـكر صـفو انتفاع المستأجر ولو ظهرت تلك
الأعـمـال فـي صــورة إتــلاف مـادي dégradation
        matérielle .

ونـظـرة إلـي ذلك الـقـول تكـفـي للحكم على مدى ما
يـؤدي إلـيـه مـن الـمـخـالـفـة الـصـريـحة لنص المادة
(1720) فـقـرة ثـانـيـة مـن القانون المدني الفرنسي
حـيـث يـلـتـزم الـمـؤجـر بـالـقـيـام بـكافـة الترميمات
الـضـروريـة لا قـبـل تسليم العين فحسب – كما يرى
كـافـة الـفـقـهـاء - بـل ويـجـب علـيـه أن يتعهد العين
الـمـؤجـرة بالإصلاح والترميم حتى بعد تسليمها إلى
الـمـسـتـأجـر ليـتـمـكـن هـذا الأخـيـر مـن الانتفاع بها
الانـتـفـاع الـمـطـلـوب وهـذا مـا لا يـنـكـره الـفـقيهان
المذكوران في مؤلفهما في الجزء الأول (ص 170 ن
322) وما بعدها.

وقـد عرضـت هـذه المشـكلة على محكمة الاستئناف
الـمـخـتـلـطـة إبـان الـحـرب الـعـظـمـى فـقـضـت بـأن
الاضـطـرابـات التي حـدثـت في ربوع القطر المصري
فـي مـارس 1919 تـعد داخلة في نطاق حكم المادة
(459) مـدنـي مـختـلط الخاصـة بـضـمـان الـتـعرض
وبالـتـالـي يـسوغ للـمسـتأجـر إذا كـان مـن شأن هذه
الاضـطرابـات أن تجـعل انـتـفـاعـه بالـعيـن المـؤجـرة
مـستـحيـلاً أن يطلب فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة
على حـسـب الأحـوال (اسـتـئـنـاف مختلط 18 يناير
1921 جازيت 11 ص 73 رقم 110).

علـى أن رأي الـفـقـيـهـيـن لا يخـلو من التناقض ففي
الـوقـت الـذي يقـولان فـيـه بأن حالة الحرب لا تعتبر
تعـرضًا يجـيز للمـستأجر أن يطلب فسخ العقد فإنهما
يعترفـان صـراحة بأن المؤجر لا يلتزم قبل المستأجر
بأي ضمان إذا ما ثبت أن هذا الأخير قد أخطأ الروية
واسـتـجـاب لفـزع لا تـبـرره الـحـقـيـقـة فـغادر العين
الـمـؤجـرة دون أن يكون ثمة خطر قد هدده وعندئذ
لا يلـومن المستأجر إلا نفسه (ج 1 ص (295))-ومن
قـبـيـل الـتـنـاقـض أيـضًا أنـهـمـا قـررا عدم مسؤولية
الـمـسـتـأجر عما يصيب العين المؤجرة من أضرار إذا
تـركـها المـسـتأجـر من غير رعاية تحت ضغط الخطر
الناشئ عن حالة الحرب (ج 1 ن 756) إذ قالا بعـدم
مسؤولية المستأجر عما يصيب العين - ولا يخفى أن
هـذا الـتـنـاقـض يـقـرب الفـقيهين من الرأي الصحيح
الـذي يعـتـبر حـالـة الحـرب قوة قاهرة توجب ضمان
الـمـؤجـر ويـصـبـح موضع الخلاف بين الرأيين كامنًا
في أن الفـقيهين يريان في أعمال القوة الصادرة من
الـمـتـحـاربـيـن والـتـي تـهـدد المـسـتأجر في انتفاعه
وطـمـأنـينـته تعـرضًا مـاديًا لا يلـتـزم المؤجر بضمانه
بعـكـس ما نـراه من أن تلك الأعمال تكون بحق حالة
القوة القاهـرة أو الحادث الجـبري وهي باتفاق جميع
الـشـراح وأحـكـام الـقضاء (أمر غير متوقع الحصول
غـيـر مـمكـن التـجنب يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً
بغير خطأ من جانب المدين).

ولا محـل لأن يعـتـرض علـى رأيـنـا هـذا بـأن نظـرية
القـوة القاهرة أو الحادث الجـبري لم يرد بشأنهما في
القانون المـصـري نـص صـريـح أسوة بما جاء بالمواد
(1147) و (1148) مـدنـي فـرنـسـي واللتين تكلمتا
عـن القوة القاهـرة والحادث الجبري باعتبارهما سببًا
يـحـلل المـديـن من التزاماته فإن الشارع المصري قد
نـص صـراحـة علـى انـتـفـاء مـسـؤوليـة المتعاقد إذا
انـتـفـى الـتقـصير من جانبه فقضت المادة (119) و
(177) مـدني أهـلي بإعـفاء المـدين من الحكم عليه
بالتـضـميـنات المترتبة على عـدم الوفاء بكل ما تعهد
بـه أو ببعـضه أو الناتجة عن تأخير الوفاء زيادة على
رد مـا أخـذه الـمـتـعـهـد إذا ثبـت عدم تقصيره ونص
كـذلك فـي المادة (411) مـدنـي أهـلـي على انقضاء
عـقد الاستصناع بالحادث الجيري كذلك تعفي المادة
(417) مـدنـي أهـلـي العامـل إذا تلفت المهمات التي
أحـضـرهـا صـاحـب الـعـمـل بـسـبـب قـهـري ويتحمل
صـاحـب العـمل تبـعة ذلك الهلاك وكذلك تنص المادة
(541) مـدني أهـلي على عـدم تحمل الدائن المرتهن
رهنًا حـيـازيًا تـبـعـة هـلاك الـشـيء المرهون إذا هلك
بـسـبـب قـهـري (انظر في تفاصيل تلك المسألة كتاب
الدكتور مـحمـد بك صـالح في أصول التعهدات فقرة
(44 – 45 –) عـبد السلام بك ذهني في الالتزامات
فقرة (269 - 270).

#ونلخـص مـا رأيـناه سلـفًا في القول بأن قيام حالة
الحـرب تـعتـبر قـوة قاهـرة تجـيز بصفة أصلية طلب
الفـسـخ أو إنقاص الأجـرة حسب الأحوال - ولما كان
أمـر تقـديـر تلك الأحـوال مـعـقـودًا بـفـطـنـة القاضي
وكياسة تقديره كان مفهومًا أن يلاحظ عامل التدرج
فـي الـخـطـر والـتـهـديـد بـالـحـرمـان مـن الانـتـفــاع
والطـمأنيـنة إذ لا تجـوز مساواة المناطق النائية التي
لـم تمتـد إليها يـد الاستـعدادات الحربية مثلاً بغيرها
مـن الـمـنـاطـق الـتـي تـجـري فـيـهـا أعـمـال الـحـرب
والاسـتـعـدادات الحـربية فإذا قامت الدولة مثلاً في
بعـض المناطـق بإنـشـاء مـخـازن للـذخـيـرة أو أماكن
للتدريبات أو الإدارات العسكرية كان بدهيًا أن تلحظ
القـوة الـقـاهـرة بـاعـتـبـارهـا سـبـبًا مـبـررًا للفـسخ أو
باعـتـبـارها أعـمـالاً إداريـة اتـخـذتـها السلطة الإدارية
بـالـقـرب مـن الـعـيـن الـمـؤجـرة ومـثـل تـلك الأعمال
يـضـمـنـهـا الـمـؤجـر إجـمـاعًا بـوصفـها تعرضًا قانونيًا
وبـالـجمـلة فـإنـه يجب التفريق بين ما إذا كان سبب
اسـتحـالـة الانـتفـاع قـائمًا بالعين المؤجرة وفي هذه
الحالـة يجـوز طلـب الفسخ أو تنقيص الأجرة حسبما
يتراءى للقاضي من ظروف الحال شدة وخطرًا وبين
مـا إذا كـان مـتـصـلاً بشـخـص المستأجر كأن يتعجل
الحوادث بخوف وهمـي لا يجد له من خطورة موقع
الـعـيـن المـؤجـرة سـنـدًا يـؤيـد مغادرته إياها أو كأن
يلحق بوحدات الجيش فيضـطر بالتالي إلى مغادرتها
وفـي هـذه الـحـالـة لا يـجـوز طلـب الـفـسـخ بتاتًا أو
إنقاص الإيجار.

أمـا أن يتـذرع الـمـسـتـأجـر بنظرية الظروف الطارئة
فـهـذا دفـع لا يلـقـي له في مصر من الفقه أو القضاء
تأييدًا فقد رفضت محكمة النقض المصرية الأخذ بها
وقضت بأنه لا ينقضي الالتزام العقدي بالفسخ إلا إذا
أصـبـح الوفاء غيـر ممكن لظرف حادث جبري لا قبل
للملتزم بدفعه أو التحرز منه أما إذا كان من شأنه أن
يجـعل الالتزام شـديد الوطأة على المتعاقد فهذا مما
لا يقتضي الفسخ بحال.

ولقـد أحـس الـمشـرع حـرج الأفراد فعجل في بعض
المناطـق والأحيـاء بقطع الشك باليقين وسن تشريعًا
مـؤقتًا يـرتـب عـلائـق المؤجرين بالمستأجرين ترتيبًا
يـوفـق بـيـن الـمـصـالـح الـمـتـعارضة ويضمن سلامة
الـجـمـيـع وصيـانـة الـروابـط، وما كانت تلك الأحكام
الـفـرديـة الـوقتـية لتنـهض عـلاجًا كافيًا وإنما يستقر
الحل السـلـيـم بيـن مقـتـضـيات القـواعـد العامـة كما
قدمناها

مجلة المحاماة -العددالخامس -1941
صالح سيد منصور-المحامي.
نقـله للفائـدة واعـاده للنشـر الاستاذ المحامي الرائع/
محمد باحويرث عضو منتدى الفقه والقانون اليمني.
#مـنـقـول_عـن_المـحامي_الـدكـتـور/علي المحمدي. 
الأحد2017/01/08
🇾🇪_____⚖️_______⚖️_______⚖️_____ 🇾🇪
من مختارات/ مـجمـوعـة ملتقى القانونيين للتوعية
القانونـيـة. اليوم/الثلاثاء الموافق/2021/03/23م
*#إدارة_المجمـوعـة. بلال الهاشمي770072262.*
*#المـجـمـوعـة بـالـواتـسـاب* خـاصـة بـالـقـانـونيين
للانضمام التواصل مع إدارة المجموعة.
رابط الإنضمام لنشره للأخرين على فيسبوك
https://www.facebook.com/groups/635521800580790/?ref=share
رابط الإنضمام لنشره للأخرين على تلجرام
https://t.me/Law770072262
*#انـشـر الـمـوضـوع ليستـفيد غيرك. تكرماً☺️🌹*
🇾🇪_____⚖️_______⚖️_______⚖️_____ 🇾🇪

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خدمة السجل التجاري

مساجد صنعاء

نظرية الدفوع في القانون اليمني