خطبة بعنوان"الاحتكار وغلاء الاسعار"
الخطبة الأولى
الحمدلله رب العالمين ، الحمدلله القائل في الكتاب المبين(وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) آمر الا تعبدوا الا أياه وبالوالدين إحسنا ، ونهى عن الشقاق والخلاف والنزاع والجدال.
ونشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له خلق الانسان وسخر له كل مافي الكون لخدمته، وقسم الامور بين عباده بمشيئته، وحذر أنه لن ينفع الانسان أمواله ولا أولاده وتجارته، وجعل الجنة لمن أطاعه وأتبع أوامره.
ونصلي ونسلم على من دعاء الى التراحم والتكافل بين أمته، ونهى عن الشقاق والغش بين رعيته
صلى الله عليه وعلى اله وصحابته، وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد عباد الله: فأوصيكم  ونفسي بتقوى الله، فاتقوه حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واحذروا الدنيا فالعمر فيها قصير؛ سرورها إلى حزن، واجتماعها إلى فرقة، وصحتها إلى سُقْم، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].

الاحباب الكرام في هذه الدقائق المباركه أعيش معكم بعنوان  الاحتكار وارتفاع الاسعار
عباد الله، إن ربكم سبحانه قدر المقادير، وقسم الأرزاق، وكتب الآجال، وجعل عباده متفاوتين في ذلك، ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾[الأنعام: 165]، وكل ما في الكون من حركة ولا سكون إلا بمشيئته وإرادته، وهذه الدنيا هي دار الابتلاء والامتحان، والله يبتلي عباده بالسراء؛ ويبتليهم بالضراء؛ ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].

 عباد الله، إن الشريعة الإسلامية أولت التجارة والتُجار عناية كبيرة، فبينت ضوابط وأحكام البيع والشراء، وأباحت الربح الحلال، وجعلت السعي في الأرض وطلب المال الحلال مع النية الصالحة عملا صالحا، وحذرت من التعسف والجور والظلم والجشع والأنانية واستغلال حاجات الناس،
قال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر التجار، إنكم تبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبرَّ وصدق)).
وقال صلى الله عليه وسلم: (( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما؛ وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما )) أخرجه مسلم.

 وأمرت الشريعة بالتيسير والتسهيل وطلب الربح اليسير دون العنت والمشقة على الناس، بل جعلت هذا بابًا عظيمًا من أبواب الرحمة والإحسان،
قال صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)) أخرجه البخاري.

عباد الله، إن الشريعة الإسلامية لم تسع لتحدد الأسعار إذا لم يكن سبَبَها جشعُ التجار؛ وإنما كان ارتفاعها بسبب تقلبات العرض والطلب وقلة السلعة وشحها؛ ولذلك لما غلت الأسعار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله؛ سعر لنا، قال: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو الله أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال)) أخرجه أبو داود. وأما إذا وُجد ضرر على الناس بسبب جشع التجار فقال أهل العلم لا بأس بالتسعير.

 وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم التجار من غلاء الأسعار لمجرد جشعٍ منهم،
فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغْلِيَه عليهم فإن حقًا على الله أن يقذفه في جهنم )) أخرجه البيهقي. وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من أكل الحرام؛ وقد يأتي المالُ الحرام بسبب المغالاة التي منطلقها الجشع
قال صلى الله عليه وسلم: ((كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)). ومما حرمته الشريعة مما يكون حماية للمستهلك النجش وهو الزيادة في قيمة السلعة ممن لا يريد شراءها؛ وكذلك حرمت الشريعة تلقي الركبان خارج الأسواق؛ لأن ذلك مآله إلى غلاء الأسعار، ومما حرمته الشريعة إنفاق السلعة بالحلف الكاذب؛ وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممحقة للبركة.

ومما حرمته الشريعة الإسلامية مما قد يكون سببًا في رفع الأسعار الاحتكار، وهو حبس السلع عند حاجة الناس إليها لتشحَّ من الأسواق فيغلو ثمنُها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) يعني آثم. أخرجه مسلم.

والاحتكار هو شراء الشيء وحبسه ليقل بين الناس فيعلوا سعره ويصيبهم بسبب ذلك الضرر أو حبس العملة التي يجلب بها السلعة فيزيد ثمنها ويقل الجلب والتداول ..

فالاحتكار يقوم على استغلال آثم لأن المحتكر يقوم بحبس السلعة المطلوبة لوقت الاضطرار إليها فكان الكسب فيه بطريق الانتظار الزمني غير مشروع .

والاحتكار حرمه الشارع ونهى عنه لما فيه من الطمع والجشع وسوء الخلق والتضييق على الناس

وعن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :” الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ومن احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالإفلاس والجذام ” (ابن ماجه).
والجالب هو الذي يأتي بالطعام ويبيعه برزقه ويربح بسيط وله بذلك أجر لذلك الرسول صلي الله عليه وسلم :” يقول من اشترى طعاما وباعه بسعر يومه كان له صدقة ” أي كأنما تصدق به .
والمحتكر ملعون والملعون مطرود من رحمة الله تعالى

وكذلك يقول :” من احتكر الطعام أربعين ليلة ” أي من احتكر أرزا أو قمحا أو دقيقا أو أي طعام يقصد غلاءه مدة أربعين ليلة ” فقد برئ من الله وبرئ الله منه وفي رواية أخرى فقد برأت منه ذمة الله أو في رواية أخرى فقد برئ منه الله ورسوله .ويقول :”” بئس العبد المحتكر إن سمع برخص ساءه وإن سمع بغلاء فرح ” ذم الرسول :” العبد المحتكر الذي يشتري الطعام رخيصاً ليبيعه في الغلاء وقال بئس العبد المحتكر إن سمع برخص ساءه هناك من إذا سمع بأن الحالة قد رخصت اسود وجهه و إن سمع بغلاء فرح لأنه يريد أن يمتص دماء الناس.

فكونوا أيها التجار من الجالبين يبارك الله في أرزاقكم ويسهلها، ولا تكونوا من المحتكرين فيزيل نعمته عليكم ويمحقها.

ويجب على المسؤلين والجهات المعنية أن يراقبوا التجار ويحاسبوهم على  مخالفتهم ورفعهم للاسعار والاحتكار والغش في السلع

فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل الى الاسواق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،
فعن أبي هريرة أن رسول الله مرَّ على صُبْرة طعامٍ، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: “مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟”. قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: “أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا”(مسلم واحمد وغيرهما).

وحينما بدأت الدولة الإسلامية الأولى تأخذ في التشكل والاستقلال، عيّن أول محتسب في الإسلام، أي مراقب للاسواق حيث استعمل سعيد بن سعيد بن العاص بعد الفتح، على سوق مَكَّةَ، مما يُدلل على أهمية هذه الوظيفة منذ فجر الإسلام.

وأيضاً بعض النساء من الصحابيات قد استُعْمِلْنَ في هذه الوظيفة وظيفة المحتسب في الرقابة على السوق منذ عهد النبي ، فقد ذكر ابن عبد البر أن سمراء بنت نهيك الأسدية رضي الله عنها “أدركت رسول الله وعُمِّرَتْ، وكانت تمرُّ في الأسواق، وتأمرُ بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها

وكان أمير المؤمنين عمر يقوم بوظيفة المحتسب بنفسه، فكان يتولَّى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُوَجِّه الناس إلى الحقِّ والصراط السوي، ويمنع الغشَّ، ويحذر منه، وكان يمرُّ في السوق ومعه الدِّرَّة فيزجر بها غلاة الأسعار والغشاشين

فيجب على ولاة الأمر :أن يقوموا بواجبههم تجاه هذا المشكله وأن يعلموا  مصلحة الناس فإذا كانت لن تتم  إلا بالتسعير فسعر عليهم تسعير عدل ، لا وَكْس فيه ولا شطط –لا نقصان ولا زيادة – وإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدون التسعير فتركهم وشأنهم.
واليوم يتحدث الناس عن ظاهرة غلاء الأسعار، ويُلْقُون التُّهَم يمنةً ويسرة، ويضعون الحلول والآراء، ويناقشون الأسباب والمسببات، وثمة سبب نتغافل عنه، ألا وهو فُشُوُّ الذنوبِ والسيئات والتهاون في الفرائض والواجبات، أما علمنا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة؟! ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]؟! أما نذكر قول الله تعالى:  ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }"لماذا ظهر الفساد-ماهو السبب- السبب هو { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} ماهي العبرة والعظة من هذا { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} لماذا يذيقهم هذا العذاب {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]؟!

فالذنوب والمعاصي ومخالفة أوامر الله والتعدي على حدوده سبب في ضيق المعايش ونقص الأرزاق؟!
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه)). فيجب علينا أن نحاسب أنفسنا؛ ونعود إلى ربنا؛ بالتوبة والاستغفار؛ والإنابة والاستقامة؛ والتضرع والدعاء، فنؤدي فرائضه؛ ونترك ما حرمه؛ ونقف مع حدوده؛ ونسأله أن يعيننا على أمور ديننا ودنيانا؛ وأن يكشف عنا هذا الغلاء؛ وأن يبارك لنا فيما رزقنا.

ومما يُوصَى به في كل وقت؛ وخاصة مع غلاء الأسعار الاقتصادُ في المعيشة والتوسط في النفقة، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

ونذكر بعض القصص في غلاء الاسعار وكيف تم معالجتها
في خلافة عمر رضي الله عنه حيث جاء إليه جمْعٌ من الناس وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر؛ واللحم عند الجزارين؛ ونحن أصحاب الحاجة؛ فتقول: أرخصوه أنتم؟ وقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. (فيعني عمر ابن الخطاب :أن التجار إذا رفعوا الاسعار أتركوا هذه السلع التي رفعوا فيها الاسعار لهم واتجهو نحو البدائل فهناك بدائل أخرى ؛؛
★ وأنبه أنه من الخطأ الشديد أنه عند إرتفاع سلعة ما نجد الناس يتهافتون عليها خوفاً من نفادها من السوق ولكن أقول أن هذا سبب رئيسي يجعل التجار يرفعون في.كل السلع لذالك ننبه الجميع أنه عند غلاء سلعة ما نتركها للتجار ونتجه نحو البدائل ولو كان البديل رغيف من خبز وكوب من ماء

وأيضًا في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه طرح نظرية أخرى في مكافحة الغلاء؛ وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فحينما غلا الزبيب بمكة؛ فكتب البعض إليه وهو في الكوفة بالأمر, فكتب أن أرخصوه بالتمر) أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
هكذا يعالج الناس في كل زمان ومكان ارتفاع الاسعار فعندما ترتفع سلعة ما إتجهو الى البدائل وقاطعوا تلك الاسعار المرتفعه

عباد الله، علينا بالقناعة، وأن ندعوَ الله أن يبارك لنا فيما آتانا، فإن البركة إذا نزلت صار القليل كثيرا، وإذا نُزعت صار الكثير قليلا.

فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قد أفلح من أسلم؛ ورزق كفافا؛ وقنعه الله بما آتاه )).
ومن أسباب القناعة أن ينظر العبد لمن هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم؛ ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله)).

 عباد الله، علينا أن نشكر الله على نعمه علينا؛ والتي لا تُعد ولا تُحصى، فشكر النعم سبب في بقائها ودوامها، ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾[إبراهيم: 7]. والشكر ليس باللسان فقط؛ بل بالتزام أوامر الله؛ وأداء فرائضه كما أمر؛ والوقوف عند حدوده.
إن غلاء الأسعار له نتائج ظاهرة من خلال عجز الناس عن توفير حاجاتهم الأساسية والقدرة على شرائها،
وله نتائج غير مباشرة من تحول نسبة كبيرة من الطبقة متوسطة الدخل إلى قسم الطبقة الفقيرة، وغياب الرقابة من الجهات المعنية على التجار وأصحاب المحلات من يرفعوا الاسعار أضعاف مضاعفة فوق سعرها المحدد

 فإن غلاء الاسعار نتيجة لتقصيرنا في حق الله تعالى فالنعود الى الله سبحانه وتعالى ونتضرع بين يديه والله لايرد يداً خائبة، ومذالك غياب الضمير الانساني لدى التجار وايضا غياب الرقبة من الجهات المعنية سبب من اسباب غلاء الاسعار واحتكار السلع

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ"

وقد بين -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم الحلول الناجعة لهذه المشكلة، والتي يمكن إجمالها في قوله -عز وجل: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12].

 
فاتقوا الله أيها المسلمون، وراقبوه سبحانه فيما تأتون وتذرون، وتراحموا فيما بينكم؛ فالرحماء يرحمهم الرحمن.

اللهم ارفع عنا الغلاء، اللهم ارزقنا القناعة بما رزقتنا، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك؛ وبفضلك عمَّن سواك.
اللهم اجعلنا من الرحماء، وارحمنا برحمتك؛ ولا نهلك وأنت رجاؤنا، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم...

الخطبة الثانية
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
ثم أما بعد
عباد الله لقد ذكرنا آنافاً مجموعة من الاخلاق والقصص والتعامل مع الاحتكار وغلاء الاسعار لنذكر الان ماهو السبب في غلاء الاسعار

فإن الغالب في المشكلات الكبيرة أنها لا ترجع إلى سبب واحد بل إلى أسباب عدة ولكل سبب نسبة معينة في حدوث تلك المشكلة، وتحديد هذه الأسباب بدقة هو نصف حل هذه المشكلة، لذا فأسباب مشكلة الغلاء تتلخص في ما يأتي:

1_البعد عن منهج الله:
– الذنوب والمعاصي كما قال الله عز وجل “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ”( الشُّورى/30).وقال تعالي :” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمي ..”(طه/124). .وقال تعالي :” “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم” ( النور/63).

.2_التبذير  والإسراف:”

قال تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” [الأعراف: 31].

الحذر من إنفاق المال في المحرمات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا أن السؤال من أين اكتسب المال وفيم أنفقه، والإنفاق في الحرام تبذير. وقد قال الله:”إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ “(الإسراء/27). فالاقتصاد في المعيشة والتوسط في النفقة والتخلي عن النمط الاستهلاكي المتأثر بالدعايات التجارية، يقول الله جل وعلا:”وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا” (الإسراء: 29). فكثرة الطلب على السلع :وتهافت الناس على الشراء بأي سعر كان، نتيجة لتعودهم على أنماط استهلاكية معينة عامل  أساسي وسبب رئيسي من أسباب الغلاء.

3_غياب الضمير يؤدي إلي احتكار  وغلاء الأسعار

وفي الحقيقة أن الضمير اليقظ الحي يحمي صاحبه ويحمي المجتمع من كافة الشرور وأشد ما نعانيه اليوم هو تبلد الضمائر.حيث إن المُجتمعات المُسلِمة عانت في هذا العصر من غيابِ الضمير الحيِّ الواعِي، ذلك الضمير الذي عوّدَهم في غابرِ الأزمان أنه إذا عطسَ أحدٌ منهم في المشرقِ شمَّتَه من بالمغرب، وإذا استغاثَ من بالشمال لامسَت استِغاثتُه أسماعَ من بالجَنوب، ولكن أين نحن اليوم من هذا السلوك الذي نهض بالأمة لأن تسود العالم في أيام كان الضمير فيها يقظًا.

و الدهشة كل الدهشة ما أصابَ الأمةَ في هذا العصر؛ حيث يصرخُ من هو بجانبِك ويئِنُّ فلا يُسمَع، ويُشيرُ بيدَيه: الغوثَ الغوثَ، فلا يُرى! “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .فالذي يحتكر العملة التي بها يتداول الناس وتقضي بها حوائجهم ويخفي السلع الغذائية من أجل رفع أسعارها بالطبع قد تبلد ضميره وغاب عن الوعي وله أن يضع نفسه في غرفة الانعاش المحمدية

 فلن يستيقظَ ضميرُ الأمة إلا بيقَظَة ضمائر أفرادِها؛ إذ كيف يستقيمُ الظلُّ والعُودُ أعوجُ؟! وكيف يلبَسُ الخاتمَ امرؤٌ أكتَعُ اليَدَيْن، وكلما ضعُف الضمير كلما تأخَّرت ساعةُ الوعي، وكأنما على ضمائرٍ أقالُها، فأصبحَت عقْرَى حلْقَى.

و يجب أن نعطي لضمائرنا علاج من صيدلية الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ينشطها ويقويها حتى يكف المرتشي عن الرشوة والمختلس عن الغلول من المال العام.. والكسول عن كسله فينشط من اجل بلده ووطنه.. والمتبلد الذي أعماه الطمع عن النظر لحاجة الآخرين فييحاول أن يشعر بحاجة المحتاج وعوز الفقراء والمحتاجين.وهذا الذي يسرق العملة ويحتكرها نسي كل تعاليم الإسلام عن الاحتكار واتبع تعاليم المرابيين والمرتشين ..

ولنعالج ظاهرة الاحتكار وغلاء الاسعار
بالثبات على الاستقامة:في مقابلة الفتن الناجمة عن استشراء الغلاء، وعدم استطاعة البعض الحصول على احتياجاتهم، وسعيهم للحصول على المال بطرق غير مشروعة كالسرقة والرشوة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرشد إلى ما يُمَكِّن الإنسان من الثبات عند الأزمات فيقول: "… اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ… ".
وأيضاً المداومة على الاستغفار والدعاء(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرار ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار)

ويتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق  بالقـدر، لا بالعلم والعقل، قال بعض الحكماء، ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم.

ومما يجب على المسلم في أي بلاء ينزل به بلاء، الرجوع إلى الله؛ ودعاء الله وسؤاله المعونة وكشف البلاء.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنا كل بلاء
وجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ... إنه سميع قريب مجيب الدعاء
ونصلي ونسلم على اكرم الانبياء محمد المجتبى والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم(إن الله وملائكته يصلون على النبي ياايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
فاللهم صلي على البشير والنذير والسراج المنير من أرسله رحمة للعالمين صلاة الى السماء تصعد وفي الهواء تمتد وفي الارض تعدد عدد أيات القرآن حرفا حرفاً وعدد جنودك صفاً صفاً صلاة تراضاه وتراضاك وترضى بها عنا يارب العالمين.

اللهم من شق علينا فاشقق عليه اللهم من شق علينا فاشقق عليه اللهم من شق علينا فاشقق عليه ومن رفق بنا فارفق به يارب العالمين
اللهم من حبس أقواتنا واحتكر سلعنا ورفع أسعرنا نسألك اللهم يارب أن ترده الى رشده او تجعله عبرة للمعتبرين
اللهم أرخص أسعارنا وشف أمراضنا وارحم أموتنا ورفع عنا كل غلاء وبلا وكشف همومنا وفرجها يارب العالمين.
اللهم ارمي الظالمين بالظالمين وأرحنا منهم أجمعين وأخرجنا من فتنتهم سالمين غانمين فرحين آمنين يارب العالمين

اللهم أحيينا سعداء وأمتنا شهدا وأدخلنا الفردوس الاعلى من الجنه
عبادالله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون
فذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون

واقم الصلاة

خطبتي في جامع زين العابدين-صنعاء
تاريخ 1440/5/19
الموافق 2019/1/25

#مُسْتَمِرُون... B~A
القاضي/ بلال حسن عبدالله محمد الهاشميB~A⚖️
https://bilalalhashimy7700b.blogspot.com/2019/06/blog-post.html

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خدمة السجل التجاري

مساجد صنعاء

نظرية الدفوع في القانون اليمني